في الفترة الأخيرة أصبح المتداولون يراقبون بحذر تأثير سياسات ترامب التجارية الجديدة على الاقتصاد، تصاعدت التساؤلات حول ما إذا كان الاقتصاد الأمريكي بدأ يدفع ثمن الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من خلال التعريفات الجمركية والرسوم على الواردات.
سنحاول في هذا المقال تبسيط المشهد المعقد لهذه السياسات لفهم كيف تؤثر هذه التطورات على احتمالات الركود وارتفاع التضخم، وماذا تقول كبرى المؤسسات المالية مثل جي بي مورغان عن مستقبل الاقتصاد والأسواق، وكذلك انعكاس كل ذلك على وول ستريت والمستثمرين الأفراد.
سياسات ترامب التجارية وتأثيرها على الاقتصاد الأمريكي
بدأ ترامب فرض تعريفات جمركية جديدة منذ توليه السلطة، مستهدفاً واردات كبرى الشركاء التجاريين (خصوصاً الصين) بهدف حماية الصناعات الأمريكية وتقليص العجز التجاري، هذه الرسوم هي ببساطة ضرائب على المنتجات المستوردة، وقد كان لها عدة تأثيرات ملموسة على الاقتصاد الأمريكي:
ارتفاع تكلفة الواردات: اضطر المستوردون والشركات الأمريكية التي تعتمد على مواد خام أو بضائع من الخارج إلى دفع رسوم أعلى، هذا الارتفاع في التكلفة غالباً ما ينتقل إلى المستهلك في شكل أسعار أعلى للسلع، ما يعني فعلياً أن الرسوم الجمركية أصبحت ضريبة إضافية باهظة على كاهل الشركات والأسر الأمريكية (قدّر محللو جي بي مورغان أن الرسوم على الصين وحدها تعادل زيادة ضريبية بنحو 400 مليار دولار على المستهلكين والشركات الأمريكيي
إجراءات انتقامية ضد الصادرات الأمريكية: ردّت الدول المستهدفة (كالصين والاتحاد الأوروبي) بفرض تعريفات على الصادرات الأمريكية، على سبيل المثال عانى المزارعون الأمريكيون من رسوم انتقامية على منتجاتهم الزراعية، مما أدى إلى تراجع الطلب الخارجي على سلعهم واضطرار الحكومة لتعويضهم عبر المساعدات.
اضطراب سلاسل الإمداد العالمية: مع فرض الرسوم وعدم اليقين بشأن الاتفاقيات التجارية، تزعزعت سلاسل التوريد للشركات متعددة الجنسيات. اضطرت شركات كثيرة لإعادة النظر في مصادر موادها وتصنيعها، مما تسبب في تراجع الإنتاجية وزيادة كلفة ممارسة الأعمال.
تراجع الاستثمار وثقة الأعمال: عدم اليقين الناجم عن الحرب التجارية جعل الشركات أكثر حذراً.
العديد من الشركات جمّدت خطط التوسع والاستثمار بسبب غياب وضوح الرؤية حول مستقبل العلاقات التجارية، فعندما يخشى المدراء التنفيذيون من رسوم مفاجئة أو تغيرات في السياسة التجارية، يصبح من الصعب عليهم اتخاذ قرارات مالية جريئة.
الحرب التجارية وخطر الركود والتضخم

لا تقتصر تداعيات الحرب التجارية على تباطؤ النمو فحسب، بل تمتد لتشمل ارتفاع مخاطر الركود والتضخم في آنٍ معاً، مزيج مقلق للاقتصاديين وصنّاع القرار.
كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ من جهة، ترفع الرسوم الجمركية معدلات التضخم لأن أسعار السلع المستوردة ترتفع تلقائياً، وقد يستغل بعض المنتجين المحليين انخفاض المنافسة لرفع أسعارهم أيضاً، هذا يعني أن المستهلك الأمريكي يجد نفسه يدفع مبالغ أكبر لنفس البضاعة، مما يقلل قوته الشرائية.
وقد حذر جيمي ديمون – الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان تشيس وأحد أبرز أصوات وول ستريت صراحةً من أن الحرب التجارية العالمية يمكن أن تدفع الأسعار إلى الارتفاع وتزيد التضخم.
وذكر في رسالة للمساهمين أن الرسوم الجمركية الأخيرة التي أعلنها ترامب “من المرجح أن تؤدي إلى زيادة التضخم، وتدفع الكثيرين إلى التفكير في احتمال أكبر لحدوث ركود”.
من جهة أخرى، تزيد الحرب التجارية من احتمالات الركود لأنها تكبح النمو الاقتصادي العام، حين تتباطأ التجارة العالمية وتنخفض صادرات وواردات الولايات المتحدة (بسبب الرسوم والردود الانتقامية) تتراجع أرباح العديد من الشركات ويتقلص نشاطها، مما قد يؤدي إلى تقليص الوظائف أو على الأقل وقف التوظيف.
هذا التأثير السلبي على الإنتاجية وثقة الشركات قد يكون كافياً ليدفع الاقتصاد نحو الانكماش، ليس من المستغرب إذن أن يزداد حديث المحللين عن ركود محتمل: فقد رفعت مؤسسة جي بي مورغان تقديراتها لاحتمال حدوث ركود في الولايات المتحدة والعالم إلى 60% في ظل التصعيد الأخير للحرب التجارية.
حتى مسؤولي السياسات النقدية أخذوا هذه المخاطر بعين الاعتبار، ففي 2019 عندما احتدمت التوترات التجارية، أشار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) إلى عدم اليقين التجاري كأحد أسباب تغيير مساره من رفع أسعار الفائدة إلى تثبيتها ثم خفضها لاحقاً.
أي أن الحرب التجارية أثّرت حتى على قرارات السياسة النقدية، حيث سعى الفيدرالي لتيسير الائتمان ودعم الاقتصاد تفادياً لأي تباطؤ حاد.
تحذيرات وول ستريت والمؤسسات المالية الكبرى
أحدثت حرب ترامب التجارية حالة توتر في وول ستريت ودفعت المؤسسات المالية الكبرى إلى إطلاق تحذيرات بشأن مستقبل الاقتصاد والأسواق.
جي بي مورغان كمثال بارز اتخذ موقفاً واضحاً: في مذكرة حديثة للعملاء، قال البنك إنه يتوقع الآن دخول الاقتصاد الأمريكي في ركود خلال هذا العام بعد احتساب التأثير المحتمل للرسوم الجمركية الجديدة التي أعلنتها إدارة ترامب.
وصرّح كبير اقتصاديي البنك مايكل فيرولي بأن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قد يتحول إلى سالب 0.3% (على أساس المقارنة السنوية ربع الرابع 2025 مقابل ربع الرابع 2024) بدلاً من نمو +1.3% كان متوقعًا سابقاً، وذلك تحت وطأة الرسوم المفروضة.
هذا التحول الدراماتيكي في التوقعات يؤكد مدى قلق المؤسسات الاستثمارية الكبرى من تبعات الحرب التجارية.
على مستوى القيادات البارزة، عبّر جيمي ديمون (رئيس مجلس إدارة جي بي مورغان) عن مخاوفه في رسالته السنوية للمساهمين، إذ قال إن الاقتصاد الأمريكي يواجه “اضطرابات كبيرة” تشمل إيجابيات مثل أثر الإصلاح الضريبي وتخفيف الضوابط، وسلبيات كبيرة مثل الرسوم الجمركية و’الحروب التجارية’ المستمرة.
وأشار ديمون إلى أن حالة عدم اليقين التي تخلقها هذه السياسات من ردود فعل الدول الأخرى إلى تأثيرها على ثقة الأعمال وتدفقات رؤوس الأموال قد تُقوِّض التحالفات الاقتصادية طويلة الأمد للولايات المتحدة.
بكلمات أخرى، ترى وول ستريت أن تبعات الحرب التجارية تتجاوز أرقام الاقتصاد لتصل إلى ضرب ثقة الولايات المتحدة عالمياً وإعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية الدولية.
تأثير الحرب التجارية على وول ستريت والمستثمرين الأفراد

بالنسبة للمستثمرين في وول ستريت وكذلك المستثمرين الأفراد الذين يديرون مدخراتهم واستثماراتهم الشخصية، تسببت الحرب التجارية في تحديات واضحة، أبرزها:
ارتفاع درجة التقلب وعدم اليقين: تحولت الأخبار التجارية إلى محرك رئيسي لحركة الأسهم والسندات.
في كل مرة تصدر فيها تصريحات متفائلة عن تهدئة النزاع التجاري أو تأجيل رسوم معينة، نرى ارتياحاً في الأسواق وارتفاعاً في المؤشرات.
وبالعكس أي تعثر في المفاوضات أو إعلان عن رسوم جديدة يؤدي إلى موجات بيع وانخفاضات حادة في المؤشرات الرئيسية كما رأينا، هذا التقلب يجعل مهمة المتداولين اليوميين ومستثمري التجزئة صعبة، إذ يصعب التنبؤ بالاتجاه قصير المدى للسوق عندما تتغير المعطيات السياسية والاقتصادية بين ليلة وضحاها.GULFBUSINESS.COM
بالإضافة إلى ذلك، التأثير النفسي على المستثمر الفردي لا يمكن إغفاله، فعندما تتصدر عناوين الأخبار عبارات مثل “حرب تجارية” و”ركود محتمل”، يشعر المستثمر غير المحترف بالقلق على مدخراته وتقاعده، وقد يدفعه ذلك إما إلى التصرف بانفعال (كبيع الأسهم عند انخفاضها خوفاً من مزيد من الخسائر) أو التردد في الاستثمار وترقب الوضع من بعيد، مما قد يفوت عليه فرصاً استثمارية أو يقلل من عوائده طويلة الأجل.
لذا نجد نصائح الخبراء للمستثمرين الأفراد تركز على تنويع المحافظ والاحتفاظ بسيولة كافية وتحاشي الذعر أثناء التقلبات، فالتقلب جزء طبيعي من السوق لكنه ازداد حدة تحت وطأة عدم اليقين التجاري.
كيف يمكن لـشركة بروفيت مساعدتك في مواجهة عدم اليقين؟
في ظل هذه التقلبات والتحديات، لا ينبغي للمتداول أن يواجه السوق وحيداً.
هنا تأتي مهمة شركة بروفيت في مساعدة المستثمرين والمتداولين على اتخاذ قرارات مدروسة.
نقدم في بروفيت تحليلات احترافية آنية للأحداث الاقتصادية وتقلبات الاسواق مثل تطورات الحرب التجارية وغيرها بلغة مبسطة يفهمها الجميع.
كما نوفر دورات تدريبية متخصصة تُمكن مهاراتك في قراءة الأسواق وإدارة المخاطر، حتى تتمكن من الاستفادة من الفرص التي قد تنتج عن التقلبات بدلاً من الخوف منها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكنك الحصول على توصيات استثمارية مبنية على خبرة خبرائنا لمساعدتك في بناء محفظة متوازنة قادرة على الصمود أمام العواصف الاقتصادية.
ندعوك اليوم للانضمام إلى مجتمع المتداولين في بروفيت والاستفادة من خدماتنا في التحليل والتدريب والتوجيه.
لا تنتظر حتى يفوتك السوق، ابدأ الآن بتنمية معرفتك وتعزيز استراتيجيتك. فريقنا جاهز لإرشادك خطوة بخطوة في رحلتك الاستثمارية، حتى تحول عدم اليقين الحالي إلى فرص واعدة للمستقبل.
تواصل معنا اليوم واكتشف كيف يُمكن لتحليلات وخبرات بروفيت أن تقودك نحو قرارات استثمارية أكثر ثقة ونجاحاً.