في الأيام القليلة الماضية، تصاعدت التوترات بشكل غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، مما أدّى إلى تحرك عسكري فوري وتهديدات متبادلة أثارت قلق العالم بأسره.
بدأ الأمر بهجوم عسكري مفاجئ تبعته تصريحات نارية من كلا الطرفين، وسط تحذيرات دولية من انفجار الوضع إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط.
الموقع الجغرافي الحساس لإيران، وسط شبكة ضخمة من خطوط النفط والغاز وممرات التجارة العالمية، يجعل من أي تصعيد هناك تهديداً مباشراً لإمدادات الطاقة في العالم.
وإذا أضفنا إلى المعادلة العلاقات المعقدة لإيران مع قوى إقليمية ودولية مثل الولايات المتحدة وروسيا ودول الخليج، فإن النتيجة هي حالة من الغموض الاستراتيجي الذي يربك الأسواق العالمية.
وبينما ينشغل العالم بالتصعيد العسكري، هناك تصعيد آخر يجري في صمت: تصعيد في الأسعار، في قلق المستثمرين، وفي إعادة ترتيب التحالفات الاقتصادية.
وفي هذا السياق يظهر النفط كالعنصر الأول المتأثر بكل تطوّر.
مضيق هرمز: قلب سوق الطاقة العالمي
مضيق هرمز ليس مجرد قناة مائية بين إيران وسلطنة عُمان، بل هو الشريان الذي يضخ قرابة 30% من إجمالي النفط المنقول بحراً إلى الأسواق العالمية.
يمرّ من خلاله ما يزيد عن 20 مليون برميل نفط يومياً، بالإضافة إلى كميات هائلة من الغاز الطبيعي المسال.
أي إغلاق للمضيق سواء كلي أو جزئي يعني تعطيل صادرات دول الخليج من النفط، مثل السعودية، الكويت، العراق، وقطر، ما يؤدي إلى نقص حاد في العرض العالمي. وفي حالة كهذه، لا تستطيع البدائل مثل خطوط أنابيب الإمارات والسعودية تغطية النقص سوى جزئياً.
من الناحية الاستراتيجية، يُعد هذا المضيق أحد أهم المواقع التي تستهدفها واشنطن لحماية مصالحها في الشرق الأوسط، لذا أي تحرك عسكري في المنطقة لن يكون محصوراً بين إيران وإسرائيل، بل من المحتمل أن يُشعل سلسلة تحركات تشمل الأسطول الأمريكي الخامس وقواعد حلف الناتو في الخليج.
تأثير فوري على الأسواق: من النفط إلى العملات
سوق النفط تحرك بسرعة، خام برنت قفز من مستويات 84 دولاراً إلى أكثر من 95 دولارًا خلال 72 ساعة فقط، وسط توقعات بوصوله إلى 105 إذا تم إغلاق هرمز، وإلى 120 في حال تفاقمت الحرب.
عقود خام غرب تكساس الوسيط (WTI) سجلت بدورها أعلى مستوياتها منذ 2022.
لكن التأثير لم يقتصر على النفط:
• الذهب ارتفع فوق 2440 دولار للأونصة، كملاذ آمن تقليدي.
• مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) سجّل قفزة نحو 105 نقطة.
• تراجع واضح في أسواق الأسهم الأوروبية والآسيوية.
في هذا النوع من الأزمات، تتجه رؤوس الأموال إلى الأصول الآمنة مثل الدولار، الذهب، وسندات الخزانة الأمريكية، بينما تنسحب تدريجياً من الأسواق الناشئة وأسهم القطاعات الحساسة مثل الطيران والشحن.
المستثمرون الكبار بدأوا برسم سيناريوهات أكثر تشاؤماً، وأعادوا تسعير المخاطر بناءً على احتمالية فقدان إمدادات ضخمة من الطاقة، وتعطل سلاسل التوريد.
هل تتدخل أوبك؟ وماذا عن واشنطن؟

تاريخياً، كانت أوبك تتدخل لضبط السوق عندما ترتفع الأسعار بسرعة خارجة عن السيطرة، لكن الواقع الحالي أكثر تعقيداً.
فعلى الرغم من امتلاك بعض الدول الخليجية لقدرات إنتاجية إضافية، إلا أن الجانب السياسي يُعقّد اتخاذ قرارات عاجلة داخل المنظمة.
حتى الآن لا توجد إشارات رسمية بأن أوبك ستزيد الإنتاج، بعض الدول ترى أن الأسعار المرتفعة فرصة لتعويض خسائر الأعوام الماضية والبعض الآخر يخشى أن يؤدي التدخل إلى صدام سياسي مع إيران أو إلى زعزعة التحالف داخل أوبك+.
أما الولايات المتحدة فهي تدرس عدة خيارات:
• ضخ جزء من احتياطها الاستراتيجي
• الضغط على السعودية والإمارات لضخ مزيد من النفط
• منح حوافز لشركات النفط المحلية لزيادة الإنتاج، خاصة في حقول تكساس ونورث داكوتا
لكن كل هذه الخيارات تحتاج وقتاً، السوق بحاجة لحلول فورية وليست خططاً طويلة الأجل.
التضخم يعود بقوة… والحكومات قلقة
ارتفاع أسعار النفط يعني ارتفاع أسعار النقل، التصنيع، المواد الغذائية، الطيران، وكل سلاسل الإنتاج المعتمدة على الوقود.
هذه الموجة تؤدي مباشرة إلى إعادة تسارع التضخم، الذي تحاول البنوك المركزية محاصرته منذ أكثر من عام.
وقد بدأت بوادر التأثير تظهر:
• مؤشر أسعار المستهلكين في ألمانيا ارتفع مجدداً بنسبة 0.4%
• المملكة المتحدة تتوقع موجة تضخم ثانية قبل نهاية الصيف
• مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أعلن أنه سيُبقي الفائدة مرتفعة لفترة أطول
القلق الأكبر هو الركود التضخمي، وهو أسوأ سيناريو اقتصادي: انخفاض في النمو مع ارتفاع مستمر في الأسعار، وهو ما حدث في سبعينات القرن الماضي عندما شهد العالم أزمة نفط مماثلة بسبب حرب أكتوبر وإغلاق مضيق باب المندب.
فرص ضخمة للمضاربين… لكن الخطر أكبر
في ظل هذه الاضطرابات، يرى بعض المستثمرين أن هذه اللحظة تمثل واحدة من أقوى الفرص في سوق السلع منذ عقد.
أسعار النفط، الذهب، الفضة، والغاز كلها في اتجاه صاعد، والتقلبات تفتح أبواباً واسعة للمضاربة.
لكن كما يقول الخبراء: السوق لا يرحم من يتسرع.
من التحديات التي يواجهها المتداولون الآن:
• تقارير متضاربة من وسائل الإعلام
• تدخلات سياسية فجائية
• قرارات حكومية تغير اتجاه السوق في لحظة
لهذا السبب، المتداول المحترف يجب أن يضع خطة محكمة:
• التحوّط بالذهب أو المعادن الثمينة
• استخدام أوامر وقف الخسارة بذكاء
• تقسيم رأس المال على صفقات متنوعة
• مراجعة الأخبار من مصادر موثوقة فقط
ومن المهم ألا يقع المتداول ضحية الخوف من تفويت الفرصة، لأن التسرّع في دخول السوق في ذروته قد يؤدي إلى خسائر كبيرة بدلًا من أرباح.
مستقبل الطاقة في خطر؟ نظرة أوسع

هذه الأزمة تعيد فتح نقاش عالمي حول استقرار قطاع الطاقة العالمي، فطالما بقيت نسبة كبيرة من إنتاج النفط مركّزة في منطقة غير مستقرة جيوسياسياً، ستبقى الأسعار عرضة للصدمات.
بعض الدول بدأت بالفعل في تسريع برامج الطاقة المتجددة، والاعتماد على بدائل مثل الهيدروجين والبطاريات والرياح، لكن هذه الحلول لا تزال بعيدة عن تعويض الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري، خصوصاً في النقل الثقيل والطيران والصناعة.
الأزمة الحالية قد تدفع الشركات إلى:
• تنويع مصادر الشراء لتقليل الاعتماد على الخليج
• توقيع عقود توريد طويلة الأجل بأسعار ثابتة
• الاستثمار في أمن الطاقة كمجال استراتيجي
المستثمرون الذكيون بدأوا يتحرّكون نحو الشركات التي تستفيد من هذه التحولات، مثل شركات الطاقة النووية، أو مزودي الخدمات اللوجستية في مناطق بديلة مثل أفريقيا وأمريكا الجنوب
نحن لا نمرّ بأزمة نفط فقط، بل بأزمة استقرار عالمي، من الشرق الأوسط إلى وول ستريت ومن حقول النفط إلى محطات الكهرباء، تأثير هذه التوترات يطال كل منزل وكل مؤسسة وكل مستثمر.
إذا كنت مستثمراً، فهذه لحظتك لتعيد ترتيب محفظتك بذكاء.
إذا كنت متداولًا، فهذه فرصتك لتُظهر خبرتك وسط الفوضى.
وإذا كنت تنتظر، فقد تفوت اللحظة.
تابع تحليلاتنا اليومية.
اشترك في قناة التوصيات الخاصة بنا.
واحصل على تنبيهات لحظية حول أي تحرك مهم في سوق الطاقة والذهب والعملات.
السوق لا يرحم من يتأخر.
كن أنت من يسبق الحدث، لا من يتفاجأ به